ما هو حشو العصب ؟
علاج العصب أو “حشو العصب” هو إجراء سني يتم لإصلاح الأسنان التالفة أو المصابة، فبدلاً من خلع السن المصاب بالكامل، يقوم أخصائيو علاج جذور الأسنان بالحفر في مركز جذر السن لتنظيف القنوات العصبية من البكتيريا ومن ثم ملؤها بمادة حشو مناسبة. راجع مقال حشو العصب للاطلاع على تفاصيل أكثر عن العملية
ويمتلئ مركز السن بالأوعية الدموية والنسيج الضام والنهايات العصبية التي تبقي السن على قيد الحياة، و كأي نسيج حي يمكن أن يصاب لب السن “العصب” بالعدوى بسبب شق أو تجويف أو تسوس. وإذا تُركت هذه العدوى دون علاج يمكن أن تسبب مشاكل مثل خراج الأسنان، تآكل وفقدان العظام، تورم وألم مستمر بالأسنان، وكذلك انتشار العدوى لباقي الأنسجة المحيطة كالوجه والفكين والرقبة والغدد الليمفاوية.
شائعات مغلوطة ..
مؤخراً ظهر للمتابعين بعض المقالات عبر الإنترنت أوالأفلام التي تزعم أن إجراء علاج العصب “حشو العصب” يؤدي لحدوث السرطان و كذلك أمراض أخرى، ومع إعلان الجمعية الأمريكية لأطباء الأسنان (AAE) أنه يتم إجراء أكثر من 15 مليون حالة علاج عصب سنوياً في الولايات المتحدة فقد يبدو هذا الادعاء مقلقًا.
لذلك أفردنا الأسطر القادمة لك عزيزي القارئ للوقوف على بعض النظريات التي بُنيت عليها هذه الادعاءات وتفنيدها وتوضيح أن هذا الارتباط المزعوم بين حشو العصب والسرطان غير صحيح.
1. نظرية بؤرة العدوى
النظرية التي طُرحت مؤخراً تتبنى فكرة أن الأمراض المزمنة التي تحدث في الجسم ناجمة في الأساس عن العدوى الموضعية في أي جزء منه.
حيث تم استخدام هذه النظرية كأساس لتوضيح أنه نظرًا لعدم قدرتنا على إزالة جميع البكتيريا الموجودة داخل القنوات العصبية للأسنان المعالجة بحشو العصب، تُؤدي مع الوقت لحدوث التهاب مزمن، ثم الادعاء بأن الالتهاب المزمن المرتبط بهذه الأسنان المعالجة عصبياً يؤدي إلى أمراض جهازية مثل السرطان والتهاب المفاصل وأمراض القلب والتعب المزمن.
لماذا نظرية العدوى البؤرية خاطئة!
تم طرح نظرية بؤرة العدوى من قِبل طبيب أسنان يدعى ويستون برايس في عام 1922، أي قبل 100 عام تقريباً من الآن؛ بينما التطور الحقيقي في ممارسات وإجراءات حشو العصب بصورته الحديثة المعروفة لم يكن قد بدأ حتى عام 1965، أي بعد 45 عامًا من نشر نظرية العدوى البؤرية تلك.
كما أنه في فترة نشوء تلك النظرية كان علاج القنوات العصبية متغيراً للغاية عما نعرفه الآن، ولم يكن هناك أي بروتوكولات طبية أو قواعد عامة له، كذلك لم تكن المفاهيم والأدوات والمواد الحديثة لطب الأسنان التي يقوم بها الأطباء اليوم (مثل ري القنوات العصبية بالمطهرات والأدوية، واستخدام الميكروسكوب المجهري في الحشو، والحشو ثلاثي الأبعاد) هي نفسها الممارسات السائدة منذ 100 عام.
باختصار لا يمكن مقارنة إجراءات علاج العصب التي كانت تتم في ذلك الوقت بالإجراءات التي يتم إتباعها اليوم.
أضف إلى ذلك أن الفم البشري ليس مكاناً معقماً، فأفواهنا هي مستعمرة مليئة بالبكتيريا حيث تعيش مئات الأنواع المختلفة على أسناننا ولثتنا ولساننا وأماكن أخرى في تناغم للحفاظ على بيئة الفم متوازنة. وبعض هذه البكتيريا مفيدة، وبعضها الآخر ضار مثل تلك التي تسبب تسوس الأسنان. راجع مقال نصائح للعناية بالفم والأسنان لتعرف المزيد عن بيئة الفم
2. نظرية الاتصال الجسدي الفموي
وهي نظرية مفادها أن الفم ليس جزءًا منفصلاً عن الجسم ولكنه مرتبط ارتباطًا جوهريًا به، حيث يُطلق على تجويف الفم اسم نافذة الجسم كما أن أعراض العديد من المشكلات الجهازية تظهر في الفم.
بالطبع لا يمكن إنكار أن الحالة الصحية للفم والأسنان يمكن أن تؤثر في الحالة الصحية للجسم مثل الجهاز الهضمي والقلب خاصة الالتهاب المزمن لأنسجة الفم وأمراض اللثة.
ولكن في المقابل أظهرت العديد من الدراسات فوائد علاج التهاب الفم كوسيلة لعلاج ومنع تطور بعض الأمراض الجهازية، وهناك العديد من التقارير عن الآثار السلبية لأمراض الأسنان غير المعالجة -خاصة في حالات الالتهابات والخراج المزمنة- على باقي الجسم.
لماذا هي نظرية خاطئة!
على الرغم من أن هذا الادعاء يتناول كيفية ارتباط الفم ببقية الجسم، إلا أن اعتماده كسبب للربط بين حشو العصب وفرصة حدوث السرطان غير ممكن لأنه غير مدعوم بالأبحاث وغير دقيق إلى حد بعيد، فعلاج حشو العصب لا يترك مناطق في العظام أو الأسنان المنخورة “المتسوسة” في فكك مليئة بالبكتيريا؛ بل بالعكس فهو يقلل من “الحمل البكتيري” في المنطقة المصابة -خاصة في حالات التهاب الخراج الحاد- مما يؤدي لتقليل المضاعفات والأثر على باقي الجسم.
هل هناك بدائل لحشو العصب؟
يمكن أن تسبب عدوى اللب مجموعة متنوعة من الأعراض بما في ذلك الألم عند المضغ، والحساسية عند تناول الطعام أو الشراب الساخن أو البارد، و تخلخل الأسنان وسقوطها في النهاية.
والبديل لحشو العصب هو خلع السن، أو الإهمال والاكتفاء بالمسكنات -وهو أمر خاطئ طبياً-؛ فبينما قد تتحمل الأعراض الأولية لعدوى العصب في البداية، إلا أن ذلك قد يكون سبباً لانتشار العدوى بشكل أكبر دون أن تشعر، وقد تحدث أعراض إضافية مثل:
- عودة الألم عند العض أو المضغ أو من فترة لأخرى.
- انتفاخ وتورم اللثة بالقرب من السن المصابة.
- تكون خراج و نزول صديد من المنطقة المجاورة للسن المصاب.
- انتفاخ واضح على الوجه.
- تحلل وضمور عظم الفك نتيجة القيح والسموم التي تنتجها البكتيريا.
- انتقال العدوى للرقبة وهو أمر خطير للغاية.
هل خلع الأسنان أفضل؟
قد يلجأ بعض الأشخاص الذين لديهم مشاكل بالعصب إلى خلع أسنانهم الميتة ظناً منهم أن هذا الإجراء وقائي للسلامة، لاعتقادهم أن الأسنان ذات العصب الميت تزيد من خطر الإصابة بالسرطان.
أو توفيراً للوقت، ففي حين يستغرق علاج العصب جلستين أو أكثر لدى الطبيب، لا يحتاج خلع السن سوى بضع دقائق وفي زيارة واحدة، إلا أن الإجراء الأسرع لا يعني دائمًا أنه الأفضل.
فوجود الأسنان الطبيعية ذو أهمية حيوية في الفك، حيث يساعد ذلك في الحفاظ على بنية الفك من الترهل وضمور الوجه، وكذلك أداء وظيفة المضغ بكفاءة.
كما أن خلع السن واستبداله بتركيبة أو حتى زراعة سن بديل هو إجراء يكلف وقتًا ومالًا وعلاجًا إضافيًا، ويمكن أن تتأثر الأسنان المجاورة سلبًا خلال هذا الوقت. بينما العديد من الأسنان التي تخضع لعلاج العصب تظل صحية وقوية وتدوم مدى الحياة.
هل حشو العصب آمن للأطفال ؟
على الرغم من أن خلع الأسنان اللبنية معمول به في بعض الأحيان، إلا أن الحفاظ على أسنان الطفل التالفة بدلاً من إزالتها قبل الأوان لا يزال من أفضل الطرق للعلاج، خاصة إذا كان بها تجويف عميق أو مؤلمة وتؤثر على نمط حياة طفلك.
وقد نلجأ لعلاج العصب لأسنان الطفل للحفاظ على سلامة الأسنان اللبنية حتى ظهور الأسنان الدائمة، فإلى جانب وظيفتها في المضغ والكلام، فالأسنان اللبنية تعمل على تأمين الحيز المطلوب في الفك لحين ظهور الأسنان الدائمة، وخلعها قبل الأوان قد يؤدي لاحقاً لازدحام الفك واضطراب مصفوفة الأسنان الدائمة، مما قد يتطلب تقويمًا واسعًا (ومكلفًا) للأسنان.
وبعكس الإجراء المتبع في حشو العصب للبالغين والذي يزيل نسيج العصب بالكامل، فإن استئصال لب السن للأطفال “حشو العصب” لا يتضمن سوى علاج عصبي جزئي عن طريق إزالة نسيج العصب المصاب فقط والإبقاء على الجزء السليم المتبقي وتعقيمه. لذلك يكون الإجراء بشكل عام أسرع، أكثر أماناً، وأقل إزعاجاً للطفل.
بعدها يقوم طبيب الأسنان بتلبيس السن المحشو بتاج معدني بسيط لحماية السن الضعيفة واستعادة وظيفتها الطبيعية والصحية لحين موعد تبديلها.
بعد العلاج عادة يهدأ الألم، ويتمكن طفلك من الاستمتاع بجميع أنشطته الحياتية المعتادة. لذا اطمئن فعملية سحب العصب للأطفال آمنة تماماً.
في النهاية ..
ربما صادف كون بعض الأشخاص المصابين بالسرطان أنهم قد خضعوا لإجراء حشو العصب في مرحلة ما من حياتهم؛ لكن هذا لا يعني أن إجراءات علاج العصب لها علاقة بتطور السرطان، ولا يوجد دليل علمي يدعم الارتباط بينهما.
لذا يجب الوثوق بالتطورات الحديثة في طب الأسنان والتي تجعل المعالجة اللبية وحشو العصب إجراءاً آمناً وفعالاً بدلاً من التسليم لشائعات ليس لها أساس علمي؛ وإذا كان طبيب الأسنان قادرًا على إنقاذ السن عن طريق إجراء علاج للعصب بدلاً من خلعه فمن المستحسن القيام بذلك.